كيس الذنوب الطائرة.. نشرة فاعتبروا (185)

كيس الذنوب الطائرة.. نشرة فاعتبروا (185)

الدكتور عبدالحميد القضاة رحمه الله

          تصور أنّك مذ بلغت سن الرشد ولديك كيس تجمع فيه الذنوب التي لا نحسب لها بالعادة حسابًا، بل لسذاجتنا ربّما لا نظنها ذنوبًا من الأصل، فكم ستجمع فيه حتى نهاية حياتك؟

          لطفًا ضع في كيسك ما يلي: سائق طائش يسوق بتهور ويمر من جانبك فشتمته وربما شتمت والديه!، أستاذ وضع أسئلة صعبة فـي امتحان فشتمته أيضا، عامل توصيل طلبات البيوت تأخر وأنت جائع  فشتمته!، إنسان يقول كلامًا ليس على مزاجك فشتمته.

          تراقب التلفاز ولاعب الكرة ضيع هدفًا فشتمته لاشعوريا، زفه عرس سببت لك إزعاجًا فشتمتهم جميعا، طبيب كتب لك علاجا فسبب لك معاناة  جانبية فشتمته، أي إنسان رأيته في الشارع يتصرف تصرفًا لم يعجبك فشتمته، ذنوب وذنوب وذنوب ونحن لا ندري!.

          المشكلة أننا لم ننتبه أصلًا  لهذه الذنوب؟ وننسى أن هناك ملكين على كتفينا يكتبان كل صغيرة وكبيرة!،”ما يَلفظُ من قولٍ إلاّ لديه رقيبٌ عتيد”، حتى أننا ننسى أن نستغفر!.

          لنتوقف قليلا ونراقب أنفسنا في هذا التصرف غير اللائق، فكم هي فكرة مُخيفة جدًا عندما نعلم أنّ كل هؤلاء الناس سوف  يأخذوا حقهم مني ومنك يوم القيامة!، “إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ”.

امشِ في ظل الناقة

          جاء في البداية والنهاية أن سليل ملوك اليمن، وائل الحضرمي، قدم على رسول الله معلنًا إسلامه، وكان النبي قد قال لأصحابه قبل وصول وائل: “يأتيكم بقية أبناء الملوك”!، فلما أتى وائل رحّب به النبي وأدناه، ثم أعطاه أرضًا نظير ما ترك خلفه من ملك وزعامة.

          أرسل معه معاوية بن أبي سفيان ليدله على الأرض، وكان معاوية لشدة فقره لا ينتعل حذاءً!، فقال معاوية لوائل: أردفني على الناقة خلفك!، فقال وائل: ليس شحًا بالناقة ولكنك لست رديف الملوك!، فقال معاوية: إذًا أعطني نعلك!، فقال له: ليس شحًا بالنعل، ولكنك لستَ ممن ينتعل أحذية الملوك!، ولكن امشِ في ظل الناقة!، يا سبحان الله ماهذا الغرور؟!

          آلت الخلافة إلى معاوية، وجاء وائل ودخل عليه، وكان جالسًا على كرسي الملك، نزل معاوية عن الكرسي وأجلس وائلًا مكانه، ثم ذكّره بالذي كان بينهما، وأمر له بمالٍ، فقال: أعطه من هو أحق به مني، ولكنّي وددتُ لو رجع بنا الزمان لأحملك يومها بين يديّ!.

          لا غنى يدوم ولا فقر يبقى، فكن حكيمًا في علاقاتك مع من حولك، فالدنيا تدور لتقف بك يومًا عند نفس الحدث، “وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ”. حاول أن تكون محسنًا وحليمًا مع الناس حتى مع من أساءوا إليك، وكما قيل: دوام الحال من المحال.

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: