الدكتور عبدالحميد القضاة (رحمه الله)
نشرة فاعتبروا (208)
حج الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك ذات مرة، وبينما هو يطوف بالبيت رأى سالما بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وحذاءه مقطّعة في يده وعليه ملابس لاتساوي درهمين.
فاقترب منه وسلم عليه ثم قال له: يا سالم ألك إليّ حاجة؟!، فنظر إليه سالم مستغربًا، ثم قال له: أما تستحي ونحن في بيت الله، أن تطلب مني أن أرفع حاجتي إلى غير الله؟
فظهر على وجه الخليفة الإحراج والخجل، وترك سالما وأكمل طوافه، وأخذ يراقبه فلما رآه خارجًا من الحرم لحقه وقال له: يا سالم أبيتَ أن تعرض علي حاجتك في الحرم فاسألني الآن وأنت خارجه، فقال له سالم: هل أرفع إليك حاجة من حوائج الدنيا أم من الآخرة؟!
فقال الخليفة: من حوائج الدنيا، فقال سالم: يا سليمان والله ما طلبت حاجة من حوائج الدنيا ممن يملك الدنيا، فكيف أطلبها ممن لا يملكها؟! عندها دمعت عينا الخليفة سليمان بن عبد الملك، وقال مقولته الشهيرة: ليتني مثل سالم بملكي كله!
هكذا الدنيا وزخرفها سقطت من أعين العارفين بالله، ونحن اليوم نخاصم من أجلها ونصالح من أجلها، ونحب لأجلها ونكره لأجلها، سقطت هممنا فسقطنا في مستنقع الدنيا، اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، وليتنى مثل سالم، فنخرج من الدنيا سالمين.
بعد تقدمي في العمر
بعد تقدمي في العمر اكتشفت أنني لا أرغب في الخلافات أو المشاحنات أو الخيبات أو الضغوط من أي نوع، اكتشفت أنّي لا أبحث إلّا عن صحه جيدة وراحة بال، أحب أي مجلس راقٍ استقي منه فائدة ومتعة، أحب أن أكون بصحبة أناس قلوبهم بيضاء صافية!
أريد أن أكون مع من يرون أن الحياة جميلة وبصحبتي هي أجمل و أصفى، يعرفون معنى الحب في الله. أيقنت أنني لا أهتم بكلام كل الناس عنّي، ولكن أهتم بأهل الفضل والحكمة.
أيقنت أنّي بدون أخلاقي وعبادتي لا أساوي شيء، وأن التغافل والتغاضي أساس الراحة والعلاقات الناجحة، خاصة مع الذين يدافعون عنّي في غيبتي ويعذروني في تغيبي، وأيقنت أن ما اختاره الله لي هو الافضل والأكرم لي، فإنّي أحسن الظن بربي وأنتظر منه الكثير.
فلا تقل إلّا خيرًا
يُذكر أنّه مرَّ أعرابيٌّ بقومٍ فسَخِروا منه، فرجع إليهم وقال: إنَّ الناسَ رجلان: متكلمٌ غانمٌ، وساكتٌ سالمٌ؛ فوالله ما كسبتم سلامةَ الصامتِ، ولا غنمتمْ غنيمةَ المتكلِّمِ، فلا تقل إلا خيرًا.
